دراسة: عقبات أمام السلام في اليمن مع جماعة الحوثي

 
  على أعتاب سنة رابعة حرب، وأكثر من ألف يوم منذ انطلاق عاصفة الحزم العربية في اليمن، ولازالت آفاق السلام بعيدة المنال. ولا مؤشرات لإمكانية بلوغ حل سياسي عادل يؤسس لسلام مستدام بين الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي، بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على محاولة إسقاطها النظام الجمهوري، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وانسداد آفاق الحل السياسي.
 
في ظل دعوات دولية متزايدة لتغليب الحل السياسي على العسكري، نحاول في هذه المقالة (الدراسة المبسطة)، إثبات لا إمكانية عقد صفقة سياسية تؤدي إلى سلام دائم في اليمن قبل هزيمة الميليشيات الانقلابية عسكريا؛ وذلك بناء على عدة عوامل (عوائق) متعلقة بطبيعة بناء هذه الجماعة، وثقافتها ومرجعيتها المذهبية وتاريخها وإرثها السياسي والفكري؛ إلى جانب وضعها السياسي والعسكري الراهن؛ وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
 
العامل (العائق) الأول: الطبيعة الفكرية والاجتماعية للحوثيين (وراثة الإمامة)
 
 

تقوم جماعة الحوثي على أساس انتسابها العرقي السلالي للبيت الهاشمي؛ وبالتالي ما تعتقده بحقها الحصري في الحكم (الإمامة)، والعلم الشرعي وتفسير القرآن. وتستند في ذلك إلى عدة أحاديث منسوبة للرسول محمد (ص). لكنها تعتمد بشكل أكبر على ثقافة الأئمة السابقين في اليمن، خاصة الهادي والقاسم العياني، مرورا بغيرهم من فقهاء آل البيت الجاروديين كزيد وغيره.
 
جاء في وثيقة الحوثيين الفكرية والاجتماعية، الصادرة في صعدة عام 2012، ووقع عليها زعيم الجماعة الحالي عبدالملك الحوثي، في مسألة أصول الدين، أن "الإمام، بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن ثم الحسين، ثم الأئمة من أولادهما كالأمام زيد والأمام القاسم ابن أبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم ابن محمد ومن نهج نهجهم".
 
بمعنى أن النبوة – بالنسبة لهذه الجماعة - ختمت بالنبي محمد كرسول، واستمرت في ذريته، كأئمة ومفسرين حصريين لما جاء عن الرسول والقرآن، خاصة فيما يتعلق بالحكم والولاية وتفسير القرآن وقبول الحديث ورده.
 
 أكثر من ذلك، اشترطوا في مناقشة مسائل الحكم والفقه والتفسير والسنة النبوية، قبولها من عدمه، بموافقة علماء أهل البيت بنهج الإمام الهادي؛. جاء في الوثيقة الفكرية في مسألة المنهج: "والثقل الأصغر عترة رسول الله وهداة الأمه وقرناء الكتاب إلى يوم التنادي (إن اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) وهم حجج الله في أرضه".
 
تشير عبارة قرناء الكتاب إلى وضع مقدس يعيشه الحوثيون، باعتبارهم من آل البيت، ليس كالأنبياء تماما إنما بنفس المستوى مع تفاوت معين.
 
وهذا هو الفارق المهم والرئيسي بين جماعة الحوثي، وحزب الله اللبناني والشيعة الاثنى عشرية. فتلك المذاهب والجماعات لا تقول بأحقيتها في الحكم (الإلهي)، لأنها تحصر الحكم في الاثني عشر إماما من ذرية الحسين، وتسمح لأي شخص مؤمن بالمذهب "الاثنى عشري"، بشروط معينة، أن ينال مرتبة الولي الفقيه، ولا تشترط فيه الانتماء العرقي لآل البيت. ولهذا السبب أيضا يلاحظ وجود قيادات مهمة في إيران أو حزب الله أو العراق من غير النسب الهاشمي.
 
وبناء عليه يعتبر هذا العامل هو المحدد المركزي في طبيعة تكوين جماعة الحوثي وسياستها وانتماءها، ويؤثر بشكل كامل على أهداف الجماعة وتحالفاتها وتحركاتها وتحديد خصومها وأتباعها، وطبيعة وشكل السياسة التي يجب ألا تخرج عن هذا المحدد الجوهري.
 
ولهذا لا تقوم دولة ولاية الحوثي على فكرة التعاقد التي تقوم عليها كل الدول (العقد الاجتماعي)، بل تقوم على أساس الحق الإلهي للهاشميين بالحكم كدين. وبالتالي لا يترتب على سلطة الحوثي أي التزامات تجاه المحكومين. وفي مفارقة غريبة، يتوجب على المحكومين الطاعة المطلقة للحكم الهاشمي كطاعة لله. وهذا ما يفسر استيلاء الحوثي على كل مقدرات السلطة، دون التزام بأي واجبات تجاه مواطني دولته.
 
كما يترتب على فكرة الحوثي تجاه الحكم، تفوق عرقي للهاشميين، حتى من غير العلماء وقرناء القرآن، ولهم حق الخمس وحق تقبيل الركب وامتيازات كثيرة لا تنتهي اجتماعيا وسياسيا.
 
العامل الثاني: القوة العسكرية للحوثيين



حسب الصحفي المقرب من جماعة الحوثي محمد عايش، تبلغ القوة العسكرية للحوثيين 140 ألف مقاتل. وبغض النظر عن صحة العدد، وإن كان الرقم مبالغا فيه، فإن الأكيد أن الحوثي يمتلك قوة عسكرية كبيرة، بشرية وتسليحية، تعاظمت نتيجة تحالفها مع الرئيس اليمني السابق، وإسقاط صنعاء بالكامل بيدها، مؤخرا؛ وكنتيجة ايضا للدعم الإيراني للجماعة، والذي أثبتته لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، بما في ذلك امتلاكها لصواريخ باليستية.
وقد استولى الحوثيون على أكثر من ثمانين في المائة من مقدرات وأسلحة الجيش اليمني، وانضمام معظم قوام الحرس الجمهوري بكل عدته وعتاده، بعد الانقلاب على الرئيس هادي وهروبه من صنعاء. في حين لجأت جماعة الحوثي إلى تجند آلاف المقاتلين من أبناء القبائل، ومازالت تجبر أبناء المناطق التي تسيطر عليها على الانخراط في صفوفها، مستخدمة في ذلك زعماء العشائر والمشايخ الموالين لها، وأولئك الذين تحولوا معها، في مناطق سيطرتها تحديدا، ومعظمها تقع جغرافيا في شمال اليمن التي تزخر بالقبائل. حيث تجبرهم- من حين إلى آخر- على إرسال مجندين للجبهات كدليل ولاء للجماعة.
 
ورغم تعرض مخزونها التسلحي الثقيل، والبشري أيضا، للقصف والقتل، على مدى السنوات الثلاث الماضية من الحرب، إلا أن عوامل صمود الحوثي، في هذا الجانب، حتى الآن تتمثل بأمرين: -
 
- الأول: يتعلق بالجانب البشري، وقدرته على تعويض المفقود منه عن طريق استمراره في التحشيد وتجنيد مقاتلين جدد عن طريق القبائل، كما أشرنا سابقا؛ وأيضا عن طريق الاستقطابات الفردية التي يقوم بها مندوبون مدربون جيدا على مثل هذه الأمور، يتحركون –في مناطق سيطرتهم- بين المواطنين والطلاب، بما في ذلك صغار السن، والذي غالبا ما يحدث دون علم أهاليهم. ونشرت الصحافة تقارير وقصص كثيرة من هذا القبيل، حيث لا يعلم الكثير من الأهالي أين اختفى أولادهم، إلا بعد أن يعودوا إليهم جثث هامدة..!
 
- الثاني: يتعلق بالجانب التسليحي، وقدرته على تعويض المفقود، عن طريق التهريب للأسلحة النوعية والذخائر (عن طريق إيران كما ثبت ذلك تباعا في تقارير دولية متوالية)، إلى جانب أن محافظة صعدة تعتبر أحد أهم أسواق السلاح السوداء في اليمن والعالم. ويتبع الحوثيين مهربي سلاح كبار مدرجين ضمن قوائم مهربي السلاح العالميين، على رأسهم الشيخ "فارس مناع"، الذي عينه الحوثيون في السابق محافظا لصعدة. وصنف تقرير دولي "مناع"، القيادي في الجماعة الحوثية، ضمن أكبر عشرة تجار سلاح حول العالم. وفي 2009، قصف الطيران السعودي مخزن سلاح يتبع مناع، قدرت قيمته بثلاثين مليون دولار. كما ورد أسم "مناع" ضمن أحد تقارير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، باعتباره أحد مهربي السلاح الذين يعتمد عليهم الحوثيين في إمدادهم بالسلاح المهرب.
 
ثم إن المكاسب العسكرية للحوثيين التي حققوها، لاسيما عقب سيطرتهم على صنعاء، تعقد من إمكانية قبولهم الانسحاب من الجبهات أو قبول سلام دائم، خصوصا وأن معظم قادة حربهم تحولوا- بفعل هذه الحرب - إلى أثرياء تحت لافتة المجهود الحربي، والسوق السوداء التي خلقوها طوال فترة الحرب والمعاناة لليمنيين، وكذا تحكمهم في مصبات الإيرادات المالية (جمارك، ضرائب، زكاة،..الخ).
 
كما أنها، في حال قبلت بحل سياسي يفرض عليها الانسحاب وتسليم السلاح...الخ- قد تتصادم مع حاضنتها الشعبية، التي خسرت آلاف القتلى والجرحى دون انتصار حاسم. ما يعني أن السلام بدون انتصار ساحق للجماعة، من المرجح أنه لن يكون مقبولا لها، وفقا لذلك. وهم دائما ما يروجون- ضمن التعبئة الداخلية- أن الجنوح للسلم، يجب أن يكون من العدو، وتحت شروطهم هم، وهذا ما يعنونه بشعارهم: "هيهات منا الذلة".
 
العامل الثالث: العلاقة مع إيران (حرب الوكالة الإقليمية)
 


مطلع القرن العشرين، دخل الملكيون (الإمامة) في علاقة سلام مع المملكة العربية السعودية بعد عدة حروب، انتهت بخسارتهم لعدة مناطق، وتوقيعهم اتفاقية سلام مع السعودية عرفت باتفاقية الطائف عام 1934م، لتترسخ العلاقة بين الطرفين كتحالف انعكس إيجابا على الإمامة بعد اندلاع حركة 48م الدستورية التي أسقطت حكم الإمام يحيى بن حميد الدين، لتقوم السعودية بمساعدة الإمامة بالتخلص من حكم الحركة الدستورية.
 
بعد قيام ثورة 1962م وإعلان الجمهورية، تحالفت فلول الإمامة (الملكيون) مع السعودية، وشكلوا من الأراضي السعودية قاعدة لهم لاستعادة الحكم، وخاضوا مع الجمهوريين، المدعومين من مصر (جمال عبد الناصر)، معارك استمرت ثمان سنوات انتهت باتفاقية سلام تنص على مشاركة الإماميين في الحكم بدعم سعودي، بعد استثناء أسرة بيت حميد الدين الذين لازالوا لاجئين لدى السعودية حتى اليوم.
 
حصلت المفارقة في التحالف بعد قيام ثورة الخميني في إيران 1979م، ورغبته بتصدير الثورة، فانطلقت أسر الهاشميين، وعلى رأسها أسرتي الحوثي والعماد، إلى إيران لاستلهام التجربة الإيرانية. ومنذ انطلاق عمليات الحوثي المسلحة من صعدة، عام 2004، بدء الدعم العسكري الإيراني للحوثيين لتنشئتهم عسكريا، على غرار نموذج حزب الله في لبنان.
 
هذه العلاقة مع إيران، العدو التقليدي اللدود للسعودية، حاول الحوثيون حلها مع المملكة قبل عاصفة الحزم. حيث أرسلوا وفدا إليها لإجراء مفاوضات مع الملك عبدالله، بحسب القيادي الحوثي حسن زيد، لكن الإيرانيين كانوا قد سيطروا بشكل كبير على قدرة وقرار الجماعة بما يعجزها من التخلي عنهم.
 
وتظل الإشكالية في العلاقة بين الحوثي وإيران، في أن الأخيرة تهدف أساسا إلى استخدامهم في تصدير ثورتها إلى اليمن ومحيطها، الأمر الذي سيترتب عليه فرض سيطرة حلفائها على الدولة في اليمن، باعتبارها خاصرة السعودية ونقطة ضعفها، التي يمكن تهديدها منها، كما يحدث الأن مع حدودها الجنوبية وبإطلاق الصواريخ الباليستية منها، والتي وصلت مؤخرا إلى العاصمة السعودية، الرياض. ويزيد من هذه الحاجة الإيرانية مع تصاعد الصراع بينها والسعودية في أكثر من مكان في المنطقة.
 
إن هذا، بالتأكيد، يجعل من أي عملية سلام مستدام في اليمن، أمرا أكثر تعقيدا، بناء على رغبات ومستحثات طرفي المعادلة الرئيسيين الخارجيين: إيران والسعودية.
فإيران لا يمكنها التخلي عن ذراعها الحوثي، بعد كل هذا الدعم الذي حول الجماعة إلى قوة كبيرة حتى أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا لعدوتها السعودية. وبالتالي فإن أي حل سياسي من شأنه أن ينزع سلاح الحوثيين، لن يكون مقبولا بالنسبة لطهران، مالم يؤدي إلى نسخ تجربة حزب الله اللبناني، كأقل خيار يمكن القبول به.
والسعودية في المقابل، لا يمكنها الإبقاء على هذا الذراع الإيراني في خاصرتها الجنوبية، خصوصا وأنه أصبح يشكل تهديدا حقيقيا على أمنها الداخلي والقومي. وبالتالي فإن أي حل سياسي لا يعمل على نزع سلاح الحوثيين وإضعافهم كليا، لا يمكنها القبول به.
 
العامل الرابع: الوضع السياسي والعسكري المناهض للحوثيين (تصدع الجبهة الداخلية)
 


يقود الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور المواجهة مع الحوثيين تحت راية الجمهورية وشرعيته المعترف بها دوليا، وعلى أساس المرجعيات الثلاث الرئيسية المدعومة دوليا، أيضا، وهي: المبادرة الخليجية التي أتت به، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي. في حين يتكون صفه الداخلي، والخارجي أيضا، من قوى متنافرة فيما بينها أشد من تنافرها في بعض الأحيان مع الحوثي...!
 
وفي الجنوب تسعى قوى اجتماعية وسياسية مدعومة من الإمارات، الدولة التي تقود -إلى جانب السعودية- التحالف العربي ضد الانقلاب في اليمن، إلى إحداث واقع سياسي وعسكري جديد لا يخضع لسيطرة وإدارة الرئيس هادي.
 
أضف إلى ذلك، أن هناك حالة لا انسجام، بلغت حد العداء الواضح والمعلن، بين قوى خارجية مؤثرة ومكونات داخلية بارزة ضمن الحلف المناهض للانقلاب. كما هو حال دولة الإمارات، ثاني أهم دولة مؤثرة في التحالف العربي، مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، أكبر قوة يمنية معارضة للحوثي، تعمل منذ بداية الانقلاب إلى جانب الشرعية. وإن كانت ثمة بوادر، ظهرت مؤخرا، لإنهاء هذه الحالة العدائية، في لقاء 13 ديسمبر/كانون الأول، في الرياض بين ولي عهد أبو ظبي، ورئيس، وأمين عام، حزب الإصلاح، برعاية ولي العهد السعودي. إلا أنه- كما يعتقد- أن حالة من عدم اليقين ما تزال تحكم الطرفين حتى الأن، برغم ذلك.  


 
أما الحزب الاشتراكي، ومعه التنظيم الوحدوي الناصري، فبالرغم أنهما محسوبين إلى جانب الشرعية اليمنية، إلا أن لكليهما مواقف ذات طابع خاص، غير واضحة وضبابية، من مسألة الحرب الدائرة، ومسبباتها، وطريقة التعامل معها، وسُبل حلها. وفي بداية الانقلاب تحدث أمين عام الحزب الاشتراكي باعتبار حزبه طرفا ثالثا بين طرفين متصارعين، بينما يتعامل أمين عام الناصري مع حكومة الرئيس هادي الحالية باعتبارها غير شرعية ولا قانونية.
 
 
وفي حين يرتبط الحزب الناصري، أيضا، بعلاقة حميمة مع دولة الإمارات، تدعم هذه الأخيرة تيارا سلفيا متشددا يعتبر حزب الإصلاح (الإسلامي) خصمه الأول، في عدن وتعز والساحل الغربي وحضرموت وشبوة وأنشأت لهم قوات عسكرية تستلم مرتباتها من الجيش ولا تخضع لقيادة الجيش. ومؤخرا، تحاول الإمارات جاهدة إنشاء قوة أخرى بقيادة نجل صالح "احمد علي"، الخاضع لعقوبات دولية، كأحد معرقلي العملية الانتقالية في اليمن. وثمة مؤشرات أن الإمارات تسعى إلى قيادة هذه القوة بعيدا عن إطار الشرعية، التي يمثلها الرئيس هادي.
 
هذا التصدع المعقد للجبهة الداخلية المناهضة للانقلاب، في مقابل ما تبدو عليه جبهة الحوثي الداخلية من تماسك، لاسيما بعد تخلصها من حليفها الوحيد، الرئيس السابق وحزبه (المؤتمر الشعبي العام)، الذي كان يشكل لها صدعا داخليا، كما اتهمته في أيامه الأخيرة، من شأنه أن يضفي تعقيدات إضافية على أي عملية سلام قادمة. في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن تلك التباينات والتعقيدات الداخلية في حلف مناهضي الانقلاب، أحد أسباب تجميد العمليات العسكرية في بعض الجبهات.     
 
العامل الخامس: المواقف الدولية



يمكن تقسيم الموقف الدولي في اليمن إلى قسمين: -

- الأول: ويمتد، بداية من الموقف الدولي من الثورة السلمية في 2011م حيث دعم مجلس الأمن آلية الانتقال السلمي للسلطة عبر عدة قرارات دولية، أجبرت صالح على التخلي عن السلطة، أبرزها القرار (2051). ثم توجتها بزيارة للأمين العام السابق بان كي مون إلى صنعاء، ثم زيارة مجلس الأمن الدولي إلى صنعاء وكان الموقف الدولي في مجلس الأمن موحدا بشدة تجاه الحفاظ على الدولة في اليمن ومنع انزلاقها إلى الفوضى والحرب.
 
غير أن هذا الموقف، بحسب ما يُعتَقد، تبدل مع دخول الاتفاق النووي (2015) حيز التنفيذ أثناء المرحلة الأولى التي استمرت ستة أشهر وكانت ملامح التغير لصالح إيران.
 
ويمكن القول إن الموقف الدولي كان واضحا مع الثورة اليمنية (فبراير/شباط: 2011)، والمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني حتى ما قبل نهاية 2013، ومطلع 2014، ليبدأ التبدل نحو الضبابية والمواربة وعدم الحسم، مع تحركات ميليشيات الحوثي العسكرية في دماج وعمران.
 
بدأت الجماعة عملياتها المسلحة للسيطرة، في منطقة "دماج" بصعدة ضد السلفيين، (أواخر 2013)؛ ثم محافظة "عمران" (مطلع 2014)؛ ثم اجتياح صنعاء (سبتمبر/أيلول 2014)، كل ذلك – كما اتضح لاحقا-حدث بما يمكن اعتبارها موافقة إقليمية ودولية دون اتخاذ أية إجراءات قوية وحاسمة، برغم وجود قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2140) الذي اتخذ في 26 فبراير/شباط 2014، والذي بموجبه أقر المجلس "تصرفه بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة"، وتحديد تدابير إضافية بفرض عقوبات على المعرقلين، وإنشاء لجنة عقوبات وفريق خبراء يتبعها بشأن اليمن، للنظر في الأشخاص الذين يعيقون التسوية السياسية ويستحقون فرض جزاءات عليهم، وفقا للمعايير والجزاءات المحددة في القرار نفسه. وذلك كمحاولة لضبط إيقاع الأحداث دون خروجها عن السيطرة، بما يحافظ على إنجازهم السياسي المتمثل بـ"مؤتمر الحوار الوطني"، ومخرجاته، وقرب الاستفتاء على مسودة الدستور واختتام المرحلة الانتقالية.
 
وبالرغم من ذلك، وجدنا الحوثي –بدعم الرئيس السابق "صالح"- يمضي قدما نحو اجتياح العاصمة صنعاء (سبتمبر/أيلول 2014)، الأمر الذي كان ما يزال ضمن السيناريو الإقليمي والدولي لتحقيق أهداف سريعة وعاجلة، تمثلت في ضرب قوة حزب الإصلاح في صنعاء.
 
لكن الحوثي-صالح، بدى أنهما خرجا عن السيناريو المرسوم لهما في صنعاء، وذلك بالسيطرة على كافة مؤسسات الدولة بالعاصمة والتمدد أكثر نحو بقية المحافظات الأخرى. الأمر الذي اضطر المجتمع الدولي إلى محاولة استعادة الإمساك بزمام المبادرة عن طريق إقرار المزيد من قرارات مجلس الأمن الدولي. فأصدر قرارين في ظرف عشرة أيام فقط، هما: (2201) في 15 فبراير/شباط 2015؛ و (2204) في 24 من الشهر نفسه، وكليهما ركزا على محاولة اعادة الحوار والتفاوض بين الأطراف لاستكمال عملية الانتقال السياسي من النقطة التي توقفت عندها..
 
- الثاني: بعد تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، ضمن ما أطلق عليها عملية "عاصفة الحزم" لإعادة الشرعية في اليمن، في 26 مارس/آذار 2015. وهنا سنجد أن الموقف الدولي بدأ بالتغيير تدريجيا؛ حيث جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، في 14 ابريل/نيسان 2015، والذي كان شديد اللهجة ضد الحوثيين، الذين دعاهم إلى التنفيذ الكامل للقرار 2201 (2015)، والامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الانفرادية المقوضة لعملية الانتقال السياسي في اليمن، وطالبهم على الفور، دون قيد أو شرط، بـ: الكف عن استخدام العنف؛ وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة؛ والتخلي عن الأسلحة الإضافية التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية، بما في ذلك منظومات القذائف؛ والتوقف عن الأعمال التي تندرج ضمن مهام الحكومة الشرعية؛ والامتناع عن أي استفزازات أو تهديدات ضد الدول المجاورة..؛
أما الأكثر أهمية في هذا القرار تحديده ثلاث شخصيات، هي: صالح، عبد الخالق الحوثي، وعبدالله يحيى الحكيم، باعتبارهم معرقلين للعملية السياسية وإخضاعهم للتدابير الجزائية المقرة في القرار 2140 لسنة (2014)، وحظر توريد الأسلحة إليهم؛ كما أن القرار، وهذا يعتبر من الأمور المهمة، منح تفويضا للدول المجاورة تفتيش جميع البضائع المتجهة إلى اليمن والقادمة منه..
 


وبعد هذا القرار صدر، أيضا، قرارين آخرين، يتعلقان تحديدا بما سبقهما من قرارات، توضيحا وإضافة، دون أي جديد يذكر. وبشكل عام، سنجد أنه وفي كل القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن حول اليمن، من بعد 2014، ومجموعها ستة قرارات، جميعها تحث على ضرورة استكمال عملية الانتقال السياسي، وفق المرجعيات الثلاث الرئيسية (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة)، وتدعو إلى العودة للمفاوضات السياسية كوسيلة وحيدة لإنهاء المشكلة اليمنية.

وبرغم أنه، ومنذ ذلك الحين، عقدت ثلاث جولات تفاوضية (جنيف1، وجنيف2، والكويت)، إلا أن جميعها لم توصل إلى نتيجة عملية تنفذ على أرض الواقع.

الأمر الذي يستدعي مراجعة تفاصيلها، لمعرفة من هو الطرف المعرقل الذي يرفض دائما بلوغ النهاية المفترضة نحو السلام الدائم، بموجب كل تلك القرارات الدولية.

بالتأكيد لن نجد غير ميليشيات الحوثي، وهو أمر طبيعي جدا، أخذا بالاعتبار العوامل المعيقة التي أشرنا إليها في هذه الدراسة المبسطة.
 

- هذه الدراسة أعدت بالاشتراك مع قسم الدراسات والبحوث في "يمن شباب نت" 
 

جميع الحقوق محفوظة  "يمن شباب نت" ©2017  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر